السبت، 27 يونيو 2009

جورجيا تطلق الجن الأمريكي في القوقاز

الأهرام العربي كانت وسط النيران
جورجيا تطلق الجــن الأمريكي في القوقاز
السبت 16 / 8 / 2008
تبليسي‏:‏ د‏.‏ أشرف الصباغ
تحاول وسائل الإعلام الغربية تصوير الحرب الدائرة بين جورجيا وجمهورية أوسيتيا الجنوبية ـ غير المعترف بها ـ علي أنها حرب بين روسيا وجورجيا‏.‏ غير أن جميع المشاهدات الميدانية‏(‏ منذ وصول كاتب هذه الكلمات إلي الحدود الفاصلة بين جورجيا وأوسيتيا في صباح الثامن من أغسطس وحتي هروبه من جورجيا إلي أرمينيا عبر الجبال ليلة العاشر من أغسطس‏)‏ تؤكد أن جورجيا بدأت حرب خطط‏,‏ ومازال يخطط‏,‏ لها حوالي‏200‏ خبير عسكري أمريكي يتواجدون في العاصمة الجورجية تبليسي‏.‏في صباح الثامن من أغسطس توجهت أكثر من‏50‏ دبابة و‏20‏ ناقلة جنود إلي الحدود الجورجية الأوسيتية الجنوبية‏.‏ تمركزت هذه القوات علي معابر الحدود وبدأت التوغل في الأراضي الأوسيتية بمساعدة المدفعية الثقيلة ومنظومات جراد والمروحيات العسكرية‏.‏ خلال اليوم الأول للحرب قامت القوات الجورجية النظامية بالهجوم علي موقعين لقوات حفظ السلام الروسية‏,‏ ما أسفر عن مقتل العشرات وإصابة أكثر من مائة آخرين‏.‏ وتم إطلاق النار من مسافات قصيرة علي الجرحي‏.‏ في هذه الأثناء كان اجتياح العاصمة الأوسيتية الجنوبية تسخينفالي يجري تحت قصف المدفعية الجورجية المتمركزة علي الجبال المحيطة بأوسيتيا‏.‏ تم تدمير المستشفي المركزي في تسخينفالي‏,‏ ووزارة الداخلية‏,‏ والقضاء علي البنية التحية بشكل شبه كامل‏.‏ وقتل خلال اليوم الأول فقط حوالي‏1400‏ من المدنيين‏,‏ تشرد أكثر من‏15‏ ألف شخص‏.‏ في منتصف ذلك اليوم أعلن الرئيس الجورجي ميخائيل سآكاشفيلي وقف إطلاق النار لمدة‏3‏ ساعات فقط لفتح ممرات أمام المدنيين الراغبين في مغادرة تسخينفالي إلي جورجيا‏.‏ وقبل ساعة ونصف الساعة من انتهاء المدة بدأت القوات الجورجية قصف العاصمة الأوسيتية‏.‏ وفي النصف الثاني بدأت المقاتلات الروسية من طراز‏(‏ سوخوي‏-25)‏ تحلق فوق الجبال الحدودية وتقصف مواقع المدفعية الجورجية‏.‏ بينما حرب الشوارع في تسخينفالي تدور بين القوات الجورجية وقوات حفظ السلام والقوات الأوسيتية الجنوبية‏.‏ وعلمنا أن الجيش الروسي الثامن والخمسين بدأ يشارك في المعارك ضد القوات الجورجية‏.‏مساء الثامن من أغسطس توجهنا إلي مدينة‏(‏ جوري‏)‏ الجورجية التي تبعد عن الحدود مع أوسيتيا الجنوبية بحوالي‏30‏ كم‏.‏ كانت المدينة مطفأة تماما‏,‏ والشوارع خالية إلا من بعض النساء والرجال العجائز الذين يجلسون علي الأرصفة ويتحدثون حول‏'‏ احتلال روسي متوقع للمدينة بعد قصفها بالطيران‏'.‏ خلال الليل لاحظنا تحرك الدبابات في تلك المدينة‏.‏ وفي الصباح رأينا مئات الجنود المتوقعين في الحدائق العامة والمسارح ودور السينما والفنادق‏,‏ إضافة إلي عشرات من العربات المصفحة‏.‏في صباح التاسع من أغسطس‏(‏ اليوم الثاني للحرب‏)‏ توجهنا مباشرة إلي الحدود الجورجية الأوسيتية الجنوبية‏.‏ كانت مخافر الحدود مدمرة تماما‏.‏ وفجأة قامت المروحيات الجورجية بعدة هجمات علي العاصمة تسخينفالي التي كانت تحترق في هذه الأثناء‏.‏ واستمرت الاشتباكات داخل المدينة‏.‏ وعلمنا أن مجموعة من القوات الخاصة الروسية وصلت إلي تسخينفالي وبدأت تشارك في العمليات‏.‏في هذه الأثناء كانت وسائل الإعلام الجورجية والغربية تروج لشائعات تدور حول قيام الطائرات الحربية الروسية بقصف مدينة‏(‏ جوري‏)‏ وضواحي العاصمة تبليسي‏.‏ غير أن ما كنا نشاهده بأعيننا يدحض تماما هذه الشائعات‏,‏ إذ إن المقاتلات الروسية كانت تضرب الأهداف العسكرية وبالذات المطارات العسكرية الموجودة في ضواحي مدينة‏(‏ جوري‏)‏ ومواقع المدفعية الجورجية علي الجبال‏.‏بدأت خلال هذا اليوم حرب إعلامية ساخنة‏.‏ أعلنت موسكو أن القوات الخاصة الروسية وقوات حفظ السلام والجيش الثامن والخمسين تمكنت من تحرير المدينة‏.‏ أما تبليسي فظلت تؤكد أن العاصمة الأوسيتية الجنوبية تحت سيطرة قواتها‏.‏ وفي الساعة الثانية بعد الظهر بتوقيت موسكو‏,‏ أثناء وجودنا علي المعابر الحدودية وعلي بعد عدة كيلومترات من تسخينفالي‏,‏ فوجئنا بعشرات الدبابات وناقلات الجنود الجورجية تأتي من داخل جورجيا في اتجاه الحدود‏.‏ وقفت هذه القوات عدة دقائق في المنطقة الحدودية‏(‏ كنا في هذه اللحظات محاصرين داخل طوق الدبابات والجنود‏,‏ وسمحوا لنا بالتصوير‏).‏ بعد دقائق توجهت القوات الجورجية نحو أراضي أوسيتيا الجنوبية من جديد‏.‏ وبدأنا نسمع صوت طلقات الدبابات والمدفعية‏.‏ وأعمدة النار والدخان تتصاعد من جديد في تسخينفالي‏.‏ عرفنا أن جمهورية أبخازيا ـ غير المعترف بها ـ فتحت جبهة ثانية ضد جورجيا‏.‏ وأن هناك معارك ساخنة في وادي كودوري‏.‏ سمعنا أيضا أنباء متناقضة‏.‏ فتارة تؤكد تبليسي أن قواتها تسيطر علي وادي كودوري‏,‏ وقريبا ستدخل العاصمة سوخومي‏,‏ وتارة أخري تؤكد القيادة البخازية أنها تلقن القوات الجورجية درسا لن ينسي في وادي كودوري‏.‏ المعروف أن أكثر من‏95%‏ من سكان أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا يحملون الجنسية الروسية‏.‏ هؤلاء السكان يعيشون وفقا لنمط الحياة الروسي‏.‏ هناك أيضا أوسيتيا الشمالية التي تدخل في نطاق روسيا الاتحادية‏.‏ أي أن أوسيتيا الشمالية والجنوبية يسكنهما شعب واحد كل مواطنيه يحملون الجنسية الروسية‏,‏ ولكن الشمالية تابعة لروسيا والجنوبية أعلنت استقلالها من طرف واحد عن جورجيا‏.‏ أبخازيا أيضا أعلنت استقلالها من طرف واحد عن جورجيا‏.‏ ومع ذلك لم تعترف روسيا بهذا الاستقلال وتدعو جميع الأطراف المتنازعة إلي التفاوض‏.‏ غير أن قادة الجمهوريتين مصممون علي الاستقلال بصرف النظر عن الانضمام إلي روسيا من عدمه‏.‏ الجمهوريتان ضد انضمام جورجيا إلي حلف الناتو‏.‏ وفي حال الانضمام فإن روسيا ستفقد منفذها علي البحر الأسود‏.‏ وكما نعرف فقد نفذت روسيا وعودها حسب اتفاقية اسطنبول وأخرجت جميع قواتها ومعداتها من القواعد العسكرية الروسية‏.‏قرب المساء عدنا إلي مدينة‏(‏ جوري‏)‏ سيرا علي الأقدام‏.‏ تجولنا في المدينة المظلمة التي تكاد تكون خالية تماما من السكان‏.‏ توجهنا إلي أحد الفنادق المليء بالجنود الجورجيين‏.‏ وقبل أن نبدل ملابسنا اقتحم عدد ضخم‏(‏ يصل إلي‏15‏ شخصا‏)‏ من أفراد الاستخبارات العسكرية الجورجية‏,‏ وبدأت الاحتكاكات والاتهامات بالتجسس‏.‏ ووزعوا أفراد مجموعتنا الخمسة في غرف منفصلة واستمرت التحقيقات حوالي‏5‏ ساعات صادروا خلالها أوراقنا الشخصية والهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر والتصوير‏.‏ وفي الساعة الواحدة من صباح‏10‏ أغسطس طردوا المجموعة من الفندق‏.‏ وأمرونا بمغادرة مدينة‏(‏ جوري‏)‏ فورا‏.‏ كان من الصعب العثور علي سيارة‏..‏ كان أمرا مستحيلا في مدينة تحولت إلي ثكنة عسكرية‏.‏ استدعي قائد مجموعة الاستخبارات سيارة وأمر السائق بالتوجه إلي العاصمة تبليسي‏.‏ ووصلنا قرب الساعة الخامسة من فجر يوم‏10‏ أغسطس‏.‏سادت العاصمة تبليسي حالة من التوجس والترقب والخوف‏.‏ كل ما كان يسيطر علي الناس هو هاجس وصول القوات الروسية في أية لحظة لاحتلال العاصمة‏.‏ أدركنا مدي خطورة الآلة الإعلامية التي يستخدمها النظام السياسي في جورجيا‏.‏ بل وأدركنا أيضا أن هناك دعما إعلاميا غربيا غير محدود‏.‏ في ذلك اليوم تجولنا في شوارع العاصمة‏.‏ رأينا الناس منقسمين بالنسبة لرأيهم فيما يجري‏,‏ وبالنسبة لسآكاشفيلي‏.‏ فهناك شباب يسيرون بالسيارات رافعين الأعلام الجورجية منددين بروسيا وممارساتها‏.‏ وهناك أمهات يتجمهرن أمام مبني البرلمان ينتقدون سآكاشفيلي وممارساته التي ستجلب النقمة علي البلاد‏.‏ هؤلاء الأمهات كانوا خارج نطاق التغطية الإعلامية الجورجية والغربية‏.‏ لقد أعلن سآكاشفيلي الأحكام العرفية في البلاد لمدة أسبوعين بسبب رفض الشباب التجنيد الإجباري للذهاب إلي الحرب في أوسيتيا الجنوبية‏.‏ لاحظنا هجوما شديدا ضد الولايات المتحدة‏.‏ إذ يؤكد الجورجيون البسطاء أن واشنطن وراء كل ما يجري‏,‏ وأن سآكاشفيلي مجرد لعبة‏,‏ وينفذ مخططا أمريكيا وأورو‏-‏أطلسيا‏.‏ ظللنا نتجول في الشوارع حتي الساعة السابعة مساء‏.‏ استمعنا إلي الناس‏,‏ وناقشناهم‏.‏ وشاهدنا جلسة مجلس الأمن‏,‏ في التلفزيون‏,‏ التي دار فيها النقاش بين المندوبين الدائمين لروسيا والولايات المتحدة‏.‏ وشاهدنا المحطات التلفزيونية الغربية‏,‏ واطلعنا علي الوكالات‏.‏ أصابتنا الدهشة لكل ما يبث ويكتب‏.‏ شعرنا بأن كل هؤلاء يشاركون في‏(‏ شو‏)‏ إعلامي مختلق من بدايته إلي نهايته‏.‏ فتركيز القنوات الغربية علي أن الحرب بين روسيا وجورجيا‏,‏ جعلنا ندرك أن الأمر مخطط له منذ فترة‏,‏ وهناك تصميم علي توريط روسيا في أمر لا علاقة لها به‏.‏الغريب في الأمر أن القيادة الأوكرانية أدلت بجملة خطيرة من التصريحات‏.‏ فبمجرد دخول أبخازيا الحرب إلي جانب أوسيتيا الجنوبية‏,‏ قامت روسيا بإرسال مجموعة من سفنها الحربية التابعة لأسطول البحر الأسود الروسي المتمركز في ميناء سفاستوبل بشبه جزيرة القرم في أوكرانيا‏.‏ وأعلنت كييف أنها لن تسمح بعودة هذه السفن مرة أخري إلي الأسطول الروسي‏.‏ غير أن التصريح بدا مثيرا للابتسام لأن أوكرانيا لا تملك الحق في ذلك‏.‏ ولكنها أرادت الإعراب عن الدعم وحسن النية تجاه القيادة الجورجية الصديقة‏,‏ إضافة إلي التلميح لواشنطن فبما إذا كان هناك دور أوكراني مطلوب‏.‏قبل بدء الحرب بأيام قليلة تفجرت فضيحة التسليح السري الذي تقوم به إسرائيل للجيش الجورجي‏.‏ كان معروفا أن تل أبيب تزود تبليسي بطائرات التجسس بدون طيارين‏.‏ ولكن اتضح أن الأمور أكبر وأوسع وأعمق بين البلدين الصديقين‏.‏ روسيا أعربت عن امتعاضها من ممارسات إسرائيل‏,‏ ما دفع القيادة الإسرائيلية إلي إلغاء بعض الصفقات مع تبليسي‏.‏ تفجرت أيضا فضيحة تزويد أوكرانيا جورجيا بالأسلحة‏,‏ وبمنظومات صواريخ حديثة‏.‏ هنا ننتقل إلي اللعبة الجورجية‏-‏الأوكرانية بشأن معاداة روسيا‏,‏ وتقديم كل فروض الولاء والطاعة للولايات المتحدة من أجل الانضمام إلي حلف الناتو والاتحاد الأوروبي‏.‏ إن آخر مدينة روسية علي الحدود بين روسيا وأوكرانيا‏(‏ بلجرد‏)‏ تبعد عن موسكو بحوالي‏750‏ كم‏.‏ أي أن جنود الناتو سيكونون علي بعد‏750‏ كم من الكرملين‏.‏ أما الحدود الجورجية المحاذية لروسيا من ناحية الشيشان فتبعد حوالي‏1200‏ كم فقط‏.‏ معني ذلك أن قوات الناتو في حال انضمام جورجيا وأوكرانيا إليه ستضرب طوقا حول روسيا‏.‏بعيدا عن التحليلات السياسية‏.‏ تمكنا من العثور علي سيارة في الساعة الثامنة من مساء يوم‏10‏ أغسطس‏.‏ نقلنا السائق إلي الحدود مع أرمينيا‏.‏ وأثناء الدخول علمنا أن جميع أفراد طاقم السفارة الأمريكية في تبليسي غادروها‏.‏ وعلمنا أيضا أنهم مروا قبلنا بعدة ساعات‏.‏ تأكدت هذه الأنباء عندما وصلنا إلي العاصمة الأرمينية يريفان حوالي الساعة الخامسة من صباح يوم‏11‏ أغسطس‏.‏ وفي يوم‏12‏ تمكنا من الحصول علي بطاقات إلي موسكو‏.‏ لقد ضربت السلطات الجورجية حصارا إعلاميا علي الجورجيين حتي من قبل بداية الحرب مع أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا‏.‏ أغلقت جميع مواقع النت الروسية أو التي لها علاقة بروسيا‏.‏ منعت القنوات التليفزيونية والصحف الروسية‏.‏ وأصبح الإعلام الحكومي هو المنفذ الوحيد للحصول علي أي معلومات‏.‏من جهة أخري يحاول الرئيس الجورجي ميخائيل سآكاشفيلي تقديم كل ما يمكن تقديمه لمرشح الرئاسة الأمريكي‏(‏ الجمهوري‏)‏ جون ماكين‏.‏ إذ إن الجمهوريين يريدون اختراع أي حرب مع روسيا لإقناع الناخب الأمريكي بأنهم الأقدر علي إدارة المعارك مع هؤلاء الروس‏.‏ وإذا فشل جون ماكين في دخول البيت الأبيض‏,‏ فهو لا يريد أن يفقد الكونجرس ويعطيه للديمقراطيين‏.‏ سآكاشفيلي لا يريد مجيء الديمقراطيين الذين قد يوجهون إليه انتقادات بشأن الديمقراطية وحقوق الإنسان‏,‏ ويحرمونه من مساعدات تصل إلي‏375‏ مليون دولار سنويا‏.‏ هذا في الوقت الذي تقدم إليه روسيا‏2‏ مليار دولار سنويا عن طريق مليون جورجي يعملون علي أراضيها‏*‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق