السبت، 27 يونيو 2009

انتخبات الرئاسة في جورجيا والفرصة الأمريكية الأخيرة


انتخابات الرئاسة في جورجيا آخر هدية أمريكية إلى سآكاشفيلي
04/01/2008 17:01

بقلم أشرف الصباغ
يبدو التمسك الظاهري للإدارة الأمريكية بالرئيس الجورجي ميخائيل سآكاشفيلي مناقضا لكل الأعراف السياسية، وخاصة بما عرف عن الولايات المتحدة من "ذكاء وبعد نظر" وحرص على مصالحها في كل مكان. غير أن الأبعد من ذلك قد يبدو مثيرا للدهشة، إذ أن واشنطن تبحث فعليا عن بديل لسآكاشفيلي الذي استنفد جميع أوراقه تقريبا، إلا أن سآكاشفيلي الذكي والطموح يعرف كيف يضع البيت الأبيض أمام الأمر الواقع. فقد نظف جورجيا بالكامل من الشخصيات التي يمكن أن تكون بديلة له لسنوات طويلة مقبلة.
فسآكاشفيلي يفهم السيناريوهات الأمريكية جيدا، والولايات المتحدة أمام أمر واقع لا تستطيع الإفلات منه، خاصة وأنها تريد أن تبرهن لكل حلفائها أنها لا تتخلى بسهولة عنهم مهما كان الأمر. ومع ذلك فسيناريو البحث متواصل ومستمر، وسآكاشفيلي يدرك ذلك جيدا.
إذن، تبقى الانتخابات الرئاسية في جورجيا ورقة توت أخيرة تخفي بها الولايات المتحدة عورتها الجورجية ـ الديمقراطية، كما تبقى الورقة الأخيرة لسآكاشفيلي نفسه الذي يبدي يوميا استعداده لعمل أي شيء من أجل البقاء في السلطة حتى ولو ضرب شعبه بالرصاص الذي لا تؤيده الإدارة الأمريكية.
ومن جهة أخرى تتصرف المعارضة الجورجية (الضعيفة والمهلهلة) بصورة ليس لها علاقة إطلاقا لا بالسياسة ولا بمصالح بلادها. فقد دخلت الانتخابات الرئاسية موزعة على عدد من المرشحين الذين يعملون بشكل رئيس في البيزنس. وليس بين مرشحي المعارضة المفتتة واحد على الأقل دخل مجال السياسة الكبرى. ويبدو أن ما يتردد في كواليس رجال الأعمال الجورجيين صحيح. فالمسألة ثأر شخصي من سآكاشفيلي، لأنهم ملوا من دفع الإتاوات طوال السنوات الأربع الماضية. ومنهم من فقد أمواله بسبب تعنته في عدم التسديد. وهناك أيضا من فقد حياته.
إن عودة سآكاشفيلي إلى سدة الرئاسة في جورجيا تشكل ضربة إضافية إلى "مصداقية!" الولايات المتحدة كمؤسسة ديمقراطية. والحديث لا يجري الآن حول العراق أو أفغانستان أو إيران أو السودان، بل عن دولة فقيرة ومعدمة تقف في المرتبة الثالثة بعد إسرائيل ومصر في قائمة الذين يحظون بالمساعدات الأمريكية إذ تصل الإعانات الأمريكية لجورجيا ضمن برنامج "تحديات الألفية" إلى 300 مليون دولار فقط، ومع ذلك تضعها في المرتبة الثالثة من حيث نصيب الفرد.
وهنا يبرز العامل السياسي في مظاهر اهتمام الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بجورجيا وتدليل رئيسها بشكل أصبح سابقة في سيناريوهات التدليل الأوروأمريكية. فتارة يجري الحديث عن انضمام جورجيا ـ سآكاشفيلي إلى الاتحاد الأوروبي، وتارة إلى حلف الناتو. ويبدو أن القرارات بهذا الشأن تتخذ في دائرة ضيقة تماما، لأن مواطني الاتحاد الأوروبي في غاية الامتعاض ولم يعد ينقصهم إلا ضم جورجيا لكي يعلنوا صراحة عن اعتراضهم، على الرغم من أن هذا الضيق تجلى عندما تسربت دول أوروبا الشرقية إلى الاتحاد في غفلة من التاريخ، ثم تلقفها حلف الناتو ليصنع جدارا فاصلا بين الدول الأهم فيه وبين أعداء وهميين محتملين.
وهناك أيضا دول أوروبية غير مرتاحة من انضمام جورجيا، وحتى أوكرانيا، سواء إلى الاتحاد الأوروبي أو إلى حلف الناتو. ولكن الدائرة الضيقة التي تتخذ القرار في هاتين المؤسستين قادرة على الإقناع: إقناع الأنظمة السياسية وليس الناخب الأوروبي الذي تأثرت أحواله الاقتصادية ـ المعيشية المباشرة بانضمام دول أوروبا الشرقية.
وبالعودة إلى جورجيا ـ فهي تحصل سنويا على 2 مليار دولار كتحويلات مالية من المواطنين الجورجيين العاملين في روسيا. فأين تذهب هذه الأموال في دولة صغيرة يعرف الناس فيها بعضهم البعض بالاسم والعائلة؟ وإذا كان مبلغ 300 مليون دولار يدفع الرئيس سآكاشفيلي إلى إراقة دماء مواطنيه في الساحات العامة ويمنحه القدرة على اختراع حرب أهلية في بلاده التي يتغنى بديمقراطيتها، فهل يمكن أن نتصور أن جزءا من الـ 2 مليار دولار التي تأتي من روسيا تذهب أيضا إلى دعم مواقف سآكاشفيلي؟ من الصعب تصديق ذلك، ولكن الذي يمكن أن نصدقه هو أن الإتاوات المفروضة على رجال الأعمال الجورجيين تذهب كلها إلى جيوب أفراد بعينهم في مؤسسة الحكم في تبليسي.
لقد تصور الرئيس الجورجي ميخائيل سآكاشفيلي أن منظمة (جواام) التي تأسست في يوم من الأيام من جورجيا وأوكرانيا وأذربيجان وأوزبكستان ومولدافيا يمكن أن تشكل ورقة سياسية ـ اقتصادية رابحة للغرب عموما في الفضاء السوفيتي السابق، وشوكة في خاصرة روسيا على وجه التحديد. ولكن بخروج أوزبكستان من تلك المنظمة وعودتها إلى المنظمات الإقليمية الناشطة في المنطقة، سقطت (ألف) من كلمة (جواام) وأصبحت (جوام) فقط. وبقيت الدول التي تعاني من مشاكل انفصالية حقيقية: أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا في جورجيا، وبريدنستروفيه في مولدافيا، وكاراباخ في أذربيجان. إضافة إلى أوكرانيا المهددة بالانقسام والمليئة بالمشاكل السياسية والاقتصادية، وهي نفس المشاكل التي تغرق فيها بقية الدول الثلاث الأخرى.
وإن منظمة (جوام) بقيت بمثابة ورقة يمكن استخدامها بين الحين والآخر. وبقيت أيضا مشاكل دولها، بل وأصبحت تتفاقم تدريجيا. فكل دولة من دول هذه المنظمة مشغولة بكوارثها الداخلية ـ السياسية والاقتصادية والانفصالية، ناهيك عن جورجيا التي يسعى رئيسها الشاب إلى أداء أي دور بحجة الحفاظ على مصالح الشعب الجورجي. وهو نفس الشعب الذي جاء به منذ عدة سنوات أملا في التغيير. ولكن عندما حصل الشاب على فرصته، ولكن فشل فشلا ذريعا، أراد الشعب نفسه الاستغناء عنه. ولكن هذا المطلب قوبل بالرصاص الذي لم يعره لا الاتحاد الأوروبي ولا البيت البيض الأمريكي أهمية.
والانتخابات الرئاسية الجورجية ستأتي بميخائيل سآكاشفيلي رغما عن الشعب الجورجي والمعارضة المشتتة. وسيأتي سآكاشفيلي من وراء ظهر أوروبا والولايات المتحدة بعد أن أغمضتا عيونهما. وسيكون في هذه المرة قويا وأكثر ثقة بنفسه وبتصرفاته. وسيدفع الثمن شعبا أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا. والشعب الجورجي نفسه ليس مسؤولا عن مجيء سآكاشفيلي، بينما المعارضة القبلية تتحمل المسؤولية سوية مع الحلفاء الغربيين الذين قد يفتر اهتمامهم قريبا بشخصية الرئيس الجورجي الجديد/القديم ـ سآكاشفيلي.
http://ar.rian.ru/analytics/articles/20080104/95377519.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق