السبت، 27 يونيو 2009

الشاعر الداغستاني - السوفيتي رسول حمزاتوف


رسول حمزاتوف.. شاعر جبلي غنى للقيم والجمال

أشرف الصباغ*
استطاع رسول حمزاتوف أن يصنع تراثا إنسانيا خالدا بكل المعايير حتى أن جائزة نوبل تخجل تماما من عرض نفسها عليه، وهو في كل الأحوال لا يهتم بها ويرى أن الشاعر لا يصنعه أحد.
حمزاتوف هو أحد الشعراء الكبار مثل أصدقائه ناظم حكمت وبابلو نيرودا ولويس أراغون والجواهري، ومن إحدى عباراته البسيطة تماما يمكن اكتشاف مدى عبقريته الفذة كشاعر وإنسان وحكيم.
يقول الشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف "ليس الكاتب من يستطيع توظيف التراث، بل الذي يصنعه" وبالتالي أصبحت جمله الشعرية جزءا من التقاليد والتراث اليومي المتداول مثل الأمثال الشعبية والحكم، إضافة إلى جمالياتها الفنية التي استطاعت أن تملأ الفراغ الخانق بعد رحيل يسنن ومايكوفسكي وغوميلوف وبلوك وتسفتايفا وأخماتوفا ومجموعة المستقبليين الروس.
ولد حمزاتوف عام 1923 في قرية تسادا الصغيرة القائمة على قمة جبل بداغستان، وفي عام 1950 أنهى الدراسة في معهد جوركي للآداب في موسكو وصدر ديوانه الأول باللغة الآفارية قبل أن يتم العشرين من عمره, وعمل نائبا بمجلس السوفيات الأعلى ورئيسا لاتحاد كتاب داغستان، وحصل على لقب شاعر الشعب عام 1958 ثم على جائزة لينين وجائزة لوتس الأفروآسيوية وجائزة نهرو. ورغم ذلك فهو لا يهتم كثيرا بالجوائز ويرى أنها ليست القيمة الحقيقية للكاتب الحقيقي خاصة إذا كان شاعرا.
كتب حمزاتوف ما يقرب من 30 ديوانا شعريا بدأها عام 1943 بديوان "الحب الحار والكراهية الحارقة" وصدر ديوانه الأخير عام 1994 بعنوان "المهد والوجاق". ولعل نشأة حمزاتوف الجبلية منحته مجموعة من الصفات الجامحة والقوة الروحية الهائلة فهو شاعر ومحارب وحكيم وقديس وأب حنون وزوج مطيع رغم أنه شاعر.
ويبدو أن عام 1998 كان عام الاحتفال الأخير بشاعر وهب العديد من شعوب الاتحاد السوفياتي السابق وعلى الأخص شعوب القوقاز، إرثا روحيا أصبح جزءا لا يتجزأ من التراث العام لهذه الشعوب.
فقد خصصت له صحيفة "الثقافة" الروسية صفحة كاملة بمناسبة مرور 75 عاما على ميلاده، وانضمت إليها صحيفة "فيك" والجريدة الأدبية الروسية بعد ذلك كفت الصحف والمجلات خلال السنوات الثلاث الأخيرة عن تناول أخبار حمزاتوف, فهل تناساه المثقفون وعشاق شعره؟ أم أن الانشغال بحروب القوقاز جعل الجميع ينسون بعضهم بعضا؟ أسئلة كثيرة يمكن طرحها، ولكننا نفاجأ بأن الأطفال الصغار يحفظون أشعاره, فمن أين كل هذا التأثير؟!
من الواضح أن حمزاتوف عندما قال إن الكاتب هو الذي يصنع التراث كان يدرك جيدا مدى ما تحمله هذه العبارة من حكمة تاريخية جبلية.
أما الجانب السياسي الاجتماعي في حياة رسول حمزاتوف فيعتبر الجزء الهام في تركيبته الشخصية مثل أي كاتب أو شاعر عظيم لا ينفصل لديه الإبداع عن العمل السياسي الاجتماعي.
ورغم نشاطاته السياسية الاجتماعية أثناء وجود الاتحاد السوفياتي فإنه كان ضد انهياره, ولعل سقوط التجربة السوفياتية ترك أثره البالغ عليه كشاعر وسياسي في آن واحد. كما صرح في المقابل بأنه ضد العديد من ممارسات الحزب الشيوعي السوفياتي، وكثيرا ما وقف ضد قرارات اللجنة المركزية وساند المطالبين بإلغاء الرقابة ونقد النظام السياسي في البلاد.
من أنصع مواقف الشاعر رسول حمزاتوف مساندته لمجموعة فيلم "نحن الموقعون أدناه" بل وطالب بمنح الفيلم جائزة الدولة. وأثناء التصويت اتضح أن الأقلية كانت إلى جانبه.
وحاول البعض تهدئته بقولهم "لقد أظهرتم موقفكم من الفيلم ومبدئيتكم تجاه الكلمة الصادقة" فأجاب حمزاتوف "نعم، لدينا مبدئية، ولكن تنقصنا العدالة". وكم كانت له مواقف هامة وخطيرة في علاقته بخورتشوف وبدجورني إلا أن حمزاتوف كان بحجم دولة كاملة، ومن هنا تحديدا نجا من العديد من المهالك رغم إصراره على الوقوف دوما عند المنحنيات الخطرة في التاريخ.
وعندما دقت حروب القوقاز الأخيرة أبواب البيوت الجبلية الهادئة تأكد حمزاتوف أن أسوأ نتائج انهيار الاتحاد السوفياتي هي النزاعات القومية التي لم تسلم منها روسيا ولا أي دولة أخرى, فهو يريد الهدوء والأمان لروسيا ولكنه في ذات الوقت يريد أيضا الحرية لبلاده خاصة أن سكانها مثل الخيول الأصيلة لا يستطيعون العيش تحت أي سيطرة.
لم يكتب رسول حمزاتوف شعره بالروسية ولكن جميع دواوينه ترجمت إليها ماعدا الدواوين الثلاثة الأخيرة, وهو الآن لا يثق في المترجمين لأنهم -كما يقول- يعملون بشكل سيئ ولأن المترجمين الجيدين لم يعودوا موجودين.
فهل فعلا الأمر كذلك؟ أم أن منحنى التاريخ في بداية القرن الحادي والعشرين يتخذ مسارا مغايرا للشعر والحرية والوطن والحب والناس؟ إن شعر حمزاتوف سيجيب في الوقت المناسب على مثل تلك الأسئلة الصعبة خاصة أن أعماله الكاملة والمختارة في كتب طلاب المدارس والمعاهد الأدبية وعلى أرفف المكتبات الشخصية في بيوت جميع القوميات بروسيا.
يعاني الشاعر رسول حمزاتوف الآن من مرض خطير بالجهاز العصبي جعله شبه مقعد وقلل كثيرا من نشاطه العضوي، ومع ذلك لا يكف الرجل عن ممارسة النشاط الذهني وإن لم يعد يكتب الشعر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق