السبت، 27 يونيو 2009

مظاهرات أبريل في مصر والثورات الافتراضية


القاهرة 31: ثورة في عالم افتراضي
14/04/2008 10:54

بقلم: أشرف الصباغ
في 18 و19 يناير عام 1977 خرج المصريون في هبة تاريخية ضد رفع أسعار الخبز، ما أدى إلى نزول قوات الجيش إلى الشوارع لقمع ما أسمته الحكومة المصرية آنذاك بـ(انتفاضة الحرامية). وقد يظل التاريخ يذكر هذه الخطوة من جانب القوات المسلحة المصرية التي كان آخر مواجهاتها ضمن مهماتها الأساسية في 6 أكتوبر عام 1973. وبعد 31 عاما وعدة أشهر خرج المصريون في العالم الافتراضي الجديد (عالم الإنترنت) لنفس الأسباب تقريبا.
في 18 يناير عام 1977، وبعد عدة ساعات من بدء حشود المصريين مسيراتها في الشوارع والأزقة والميادين مطالبة بتخفيض أسعار الخبز، ارتفعت شعارات سياسية أخرى، مثل ضرورة استقالة الحكومة، وإنهاء حكم أنور السادات، ووقف سياسة الانفتاح الاقتصادي، والتخلص من حاشية رئيس الدولة والمقربين منه. وكانت المدارس والجامعات المصرية آنذاك مقسمة بين القوى الدينية التي أطلق لها أنور السادات العنان لمواجهة المد اليساري، وبين قوى اليسار المختلفة. وبحلول يوم 19 يناير كانت قوات الجيش والشرطة قد أنجزت مهمتها لقمع ملايين (الحرامية) الذين خرجوا للمطالبة بخبز يتلاءم مع قدراتهم الاقتصادية المتدنية إلى ما تحت خط الفقر. وعاش المصريون طوال السنوات التي تلت ذلك يقتاتون على أشكال وأنواع من الخبز يقشعر لها البدن. لم يتقدم حزب أو (منبر)، ولم تتقدم حركة أو قوة دينية لأخذ زمام المبادرة وقيادة الشارع الهائم على وجهه. ورأى البعض أن القوى السياسية (اليسارية أو الدينية) ضيعت فرصة تاريخية لإعادة بناء مصر. والفكرة ببساطة أن هذه القوى لم تكن تعرف أي شيء عن تلك الخطوة من جانب (الحرامية)، أي أنها لم تنظم هذه الهبة الجماهيرية. وبالتالي انتهت الأمور خلال 48 ساعة. وبعد عدة أشهر من نفس السنة، بدأت مرحلة أخرى جديدة من تاريخ مصر بخطوة أنور السادات (التاريخية) نحو تل أبيب بمباركة من واشنطن التي أصبحت المستشار الأكثر ثقة لدى السادات.
في نفس السياق نجحت العديد من القوى السياسية في استثمار ما حدث وأصبح جزء لا يتجزأ من تاريخ هذه القوى، وكان أغلبها من اليسار. بينما غرقت القوى الدينية، وعلى رأسها الإخوان المسلمون، في تدبير خطط وخطوات أخرى بدأت باغتيال أنور السادات نفسه في 6 أكتوبر عام 1981.
بعد 31 عاما خرج المصريون لنفس السبب ولكن بشكل أكثر تنظيما وإن لم يكن هناك أي دخل أو تدخل من جانب القوى السياسية الرسمية (يمين أو يسار أو قوى دينية). ومن الواضح أن هناك قوى جديدة تسعى لتنظيم نفسها عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة. فالرسائل عبر الهواتف المحمولة وشبكة الإنترنت لعبت دورا لا بأس به في ترتيب وعي الناس، إذا جاز التعبير، وأصبحت الجماهير على علم بكل ما يجري تقريبا. علما بأن القوى السياسية الرسمية كررت نفس موقف أو حالة يناير 1977. غير أنه من الملاحظ في الهبة الجديدة أنها حملت طابعا اقتصاديا محضا، وسيطرت الشعارات التي تطالب بتخفيض أسعار الخبز، وتحسين مستوى المعيشة. والحقيقة أن الكلام يدور حول هذا الموضوع منذ الانتفاضة الأولى عام 1977. وفي نهاية أغسطس وبداية سبتمبر 2007 عمت القاهرة موجة خافتة من الأحاديث حول إمكانية اندلاع انتفاضة شعبية مرتبطة بالدرجة الأولى بارتفاع أسعار الخبز. وكانت أسعاره قد ارتفعت بالفعل في بعض مناطق القاهرة. غير أن مصادر حكومية خرجت على وجه السرعة لتنفي أي ارتفاع في أسعار السلعة الأساسية التي يعيش عليها المصريون من بداية نشأتهم. ولم يتطرق المصدر إلى أي شيء آخر يخص أنواع الخبز المطروحة في الأسواق، وهذا حديث آخر، لأن أنواع الخبز قد تتسبب في مظاهرات أخرى.
لا شك أن القوى الدينية، وعلى رأسها الإخوان المسلمون، تحتل المساحة الأكبر في الساحة السياسية المصرية، إن لم تكن القوة الوحيدة الأكثر تنظيما يعد الحزب الوطني الحاكم في مصر. والصراع في حقيقية الأمر على السلطة يدور تحديدا بين هاتين القوتين. بينما تلاشت القوى اليسارية الحقيقية بفعل عوامل كثيرة معروفة للجميع، وما زالت فصولها تتوالي أمام أعين الكل ليس فقط في مصر بل وفي جميع دول العالم. لدرجة أن توصيفات مدهشة ظهرت في الآونة الأخيرة من قبيل "اليسار الموالي للنظام السياسي الحاكم!"، و"الغزل بين الإخوان والسلطة الحاكمة"، و"الناس يسيرون خلف القوى الدينية ليس حبا فيها أو قناعة بما تطرحه، بل بنتيجة الفساد السياسي والاقتصادي في مصر"..
في احتجاجات 6 أبريل 2008 اقتصرت مطالب الناس في مصر على الجانب الاقتصادي، وغاب الشق السياسي تماما. أي أن الحكومة نجحت فعليا في دفع الناس إلى الاتجاه المطلوب. ويبقى الجزء الثاني متوقفا على عامل الزمن. كل ذلك على خلفية تكاد تكون مرعبة بالفعل لتاريخ، وفي تاريخ، مصر السياسي. فاليسار (الرسمي) الذين يصفونه بالموالي للحكومة أبعد عن نفسه شبهة التدبير والتنظيم والقيادة، بل وطالب بأن يعلن المنظمون عن أسمائهم وهوياتهم! وأغلقت القوى الدينية، وبالذات الممثلة في البرلمان، والتي تكاد تقود الشارع المصري، أبوابها على نفسها وكأن ما يجري هو من قبيل الانتقام الإلهي، أو في أحسن الأحوال يجري في دولة أخرى، بينما المصريون في مصر منحوا هذه القوى في الانتخابات البرلمانية 88 مقعدا.
من هنا تحديدا ينطبق وصف (الافتراضي) على ما جرى، وقد يجري في الفترة المقبلة. فالقوى السياسية التي تطرح نفسها، ليس طبعا كبديل للسلطة الحالية في مصر، وإنما كمعادل لبعضها البعض في احتلال المساحة السياسية الأكبر من أجل مساومة السلطة على الناس، هذه القوى غير موجودة بالمعنى السياسي. والأحداث الأخيرة أزالت عنها آخر ورقة توت كانت تستر عورتها بها. وتنظيم الاحتجاجات تم عن طريق الواقع الافتراضي من جانب أفراد أو مجموعات غير معروفة، على الأقل بالنسبة للناس ولوسائل الإعلام على حد سواء.
المثير في الموضوع، أن دخل مصر من 3 مجالات هامة (السياحة وقناة السويس والغاز الطبيعي) يمكن أن يلعب دورا محوريا في موضوع التنمية الاقتصادية والاجتماعية! والأكثر إثارة أن مصر أصبحت تستورد القمح والقطن والأرز بعد أن كانت تصدرها! هذا الكلام وإن كان يبدو مجتزأ أو منزوعا من سياقه، إلا أنه يحمل مضمونا يرتبط بشكل مباشر بموضوع المطالب الاقتصادية حصرا المطروحة في الاحتجاجات الأخيرة في مصر ونجاح الحكومة في توجيه الناس بعيدا عن السياسة والمطالب السياسية. وبالتالي يتجسد الآن البديل الأكثر قوة وقدرة على المناورة في تلبية المطالب الاقتصادية البسيطة جدا. وإذا كان ما يدور منذ سنوات، فيما يتعلق بالبديل المقبل في مصر، افتراضيا، فقد أصبح الآن أمرا واقعا بعد تخلى اليسار عن برامجه الأساسية وقواه الجماهيرية، وعودة القوى الدينية إلى شقوقها وبالذات فيما يتعلق بالموضوع الاقتصادي-الاجتماعي المرتبط مباشرة بحياة الناس، لأن الحياة في الآخرة وليست في الدنيا!
الباب أصبح الآن مفتوحا على مصراعيه أمام البديل المطروح، لأنه الوحيد الذي أصبح واقعيا بعد خلافات وصراعات نظرية-افتراضية طوال السنوات الماضية، ولأنه الوحيد القادر على استبدال السياحة ودخل قناة السويس والغاز الطبيعي بأجولة القمح والأرز وما يستر عورات المصريين صيفا وشتاء. ولكن السؤال: هل يمكن أن يستمر هذا البديل، المقبل لا محالة، في ظل معادلة بدائية بهذا الشكل؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق