السبت، 27 يونيو 2009

الروائي والكاتب الروسي فالنتين راسبوتين


إلى نفس الأرض.. كتاب للروائي الروسي راسبوتين


أشرف الصباغ*
قامت دار نشر "فاغريوس" الروسية بإصدار طبعة ثانية من المجلد الجديد الذي يتضمن مجموعة من القصص الجديدة للكاتب الروسي فالنتين راسبوتين، والذي صدرت طبعته الأولى في ديسمبر/ كانون الأول 2000.
ونظرا لأن الكاتب منشغل في السنوات الأخيرة بالعمل الاجتماعي الذي يراه جزءا لا يتجزأ من العمل الإبداعي، أصبح قليل الإنتاج على مستوى الكم وبالتالي جاء كتابه الأخير "إلى نفس الأرض" متضمنا بعض القصص والروايات القديمة نسبيا والتي نشرت من قبل في مجموعات أخرى مثل "المهلة الأخيرة" و"دروس الفرنسية" وإلى جانبها "منزل ريفي" و"مهنة جديدة" و"رؤية".
وتتضمن القصص الأخيرة التي كتبها راسبوتين في السنوات الأخيرة حالة من الكشف والتوغل في قاع روسيا الجديدة التي يرفضها الكاتب رغم عشقه لها, فـ"منزل ريفي" (1999) هو روسيا الواسعة بكل تناقضاتها وفي جميع مراحلها وبالذات في السنوات الأخيرة.
أما "مهنة جديدة" (1998) فهي عبارة عن تجليات الافتراق والاختلاف والتشتت والتلاشي وكل التعبيرات الدالة على "السقوط" بمعناه الفلسفي الأخلاقي المادي، والحديث يدور في هذا العمل الإبداعي حول الدولة والأرض والإيمان والتاريخ والتشريعات واليقين والأفكار.
وتأتي القصص الأخرى في إطار الشجاعة الراسبوتينية المثيرة لإزعاج محبي الاستقرار وأنصار "ليس في الإمكان أبدع مما كان"، والمفزعة للقراء الذين يسلمون أنفسهم لأبحاث راسبوتين الاجتماعية الفلسفية مؤمنين تماما بأنه لن يقودهم إلى المجهول بقدر ما سيتجول بهم في أنحاء روسيا الواسعة، كاشفا عما يحاولون إغماض عيونهم عنه بالتلفزيون والسينما والمخدرات والديسكو والفودكا.
وكان راسبوتين حصل عام 2000 على جائزة سولجنيتسين الأدبية، في سابقة هامة أثارت اهتمام الدوائر الأدبية الروسية والأوروبية في الفترة الأخيرة. هذه الجائزة تقرر منحها في أكتوبر/ تشرين الأول 1997، وحصل عليها لأول مرة الأكاديمي فلاديمير نيكولافيتش توبوروف عام 1998. وفي عام 1999 حصلت عليها الشاعرة إينا ليسنيانسكايا.
غير أن الجائزة في هذه المرة جاءت في جوهرها مخالفة لكل التوقعات، بل وتعتبر الأولى من نوعها نظرا لحصول كاتب معاصر عليها. والجائزة تختلف عن العديد من الجوائز الأدبية الكثيرة في روسيا وأوروبا وتشبه في الكثير من جوانبها جائزة نوبل.
ويعود حصول راسبوتين على جائزة سولجنيتسين -كما جاء في كلمة لجنة التحكيم- إلى قدرته على "التعبير الثاقب والحاد عن شاعرية الحياة الشعبية وتراجيديتها، والجمع بين الطبيعة الروسية والخطاب الروسي، والإحساس الروحي والحكمة في نشر مبادئ الخير والجمال". أما الأسباب التي أثارت اهتمام الدوائر الأدبية الروسية والأوروبية فترجع إلى أن اسم راسبوتين ككاتب وشخصية اجتماعية وسياسية نشطة، مرتبط بتوجهات اجتماعية وسياسية وفكرية محددة لا تتوافق مع الأفكار والأيدولوجيات الجديدة السائدة.
ومع ذلك فقد حاز قرار اللجنة على ترحيب شعبي ضخم لأن الجائزة تعبر في المقام الأول عن اختيار إبداعي أخلاقي قيمي. وفالنتين غريغوريفيتش راسبوتين -بدون شك- يعتبر أهم كاتب روسي في النصف الثاني من القرن العشرين.
وكان راسبوتين أيضا قد حصل مؤخرا على وسام الاستحقاق الوطني من الدرجة الرابعة خلال الحفل الذي أقامه الكرملين وقام فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتسليم الجوائز والأوسمة.
ولعل رواياته "المهلة الأخيرة" و"نقود لماريا" و"عش وتذكر" و"وداعا ماتيورا" أكبر مؤشر على امتزاج أدب راسبوتين وفكره الفلسفي والاجتماعي بالثقافة الشعبية الروسية. بل وتعتبر العديد من قصصه القصيرة مثل "دروس اللغة الفرنسية" و"العجوز" و"رودولفيو" وغيرها من أهم القصص التي تنتمي إلى الأدب الروسي العاطفي، الأمر الذي جعلها إلى جانب رواياته تدخل إلى البرامج الدراسية في المدارس الروسية منذ أكثر من 20 عاما.
وقد حاولت وسائل الإعلام الروسية منذ بداية التسعينات -نظرا لانتماءاته الفكرية- دفع اسمه وإنتاجه الأدبي إلى دائرة الظل, ولكن نشاط الكاتب الإبداعي والاجتماعي وقف أمام الآلة الإعلامية الروسية الجديدة بصلابة نادرة.
ولد فالنتين راسبوتين يوم 15 مارس/ آذار 1937 في قرية "أوستا أودا" على نهر أنغارا بمقاطعة إرقوتسك في سيبيريا، وأنهى دراسته بجامعة إرقوتسك عام 1959 في كلية الآداب والتاريخ. وفي الفترة من عام 1958 حتى 1966 عمل بالصحافة في كل من إرقوتسك وكراسنويارسك، ففي عام 1958 عمل مراسلا لجريدة "الشباب السوفياتي" وفي عام 1959 بدأ العمل بالتلفزيون، ثم مراسلا لصحف أخرى.
وفي عام 1961 صدرت له أولى مجموعاته القصصية بعنوان "نسيت أن أسأل ليوشكا". وصدرت مجموعته الثانية "إنسان من العالم الآخر" عام 1965. وفي عام 1966 صدرت له ثلاثة كتب دفعة واحدة تضم مقالاته عن سيبيريا وحياة الجيولوجيين وعمال البناء.
لم تتأت شهرة راسبوتين فقط من إبداعاته الأدبية، ولكن إلى جانب كل ذلك أكدتها مؤلفاته الأخرى ومقالاته وكتبه التي وضعته على طريق أجداده المشاكسين الذين كانوا يحشرون أنوفهم في كل شيء مما كان يغضب قياصرتهم ورؤساءهم على الدوام.
ففي عام 1969 ظهر كتابه "مصيري سيبيريا"، ثم "ذكريات عن نهر" (1971)، وفي عام 1972 ظهر كتاب "إلى أسفل وإلى أعلى مع التيار". ويتناول في "مصيري سيبيريا" سيبيريا من ناحية أيكولوجية وليس من سمعتها المنتشرة كمنفى. ومع ذلك فتسمية الكتاب بهذا الشكل تدفع إلى التداعي بصورة أو بأخرى. إن سيبيريا تشكل إحدى أهم المعضلات وأخطرها في حياة روسيا منذ ما قبل بطرس الأول ويكاترينا الثانية، وذلك من حيث موقعها وأهميتها وثرواتها التي لم يتم الكشف عنها حتى النهاية.
وتشكل من ناحية أخرى في وعي الإنسان الروسي مظهرا من مظاهر النفي الذي يمتلك في مخيلة الإنسان العادي والكاتب -على حد سواء- أبعادا مأساوية يمكنها ببساطة أن تحيلنا إلى العديد من التداعيات الخاصة بمصائر الكتاب الروس.
إضافة إلى كل ذلك ففي جميع أعماله الإبداعية وحتى في كتبه يوجد عالم روحي خاص حيث تتشكل نماذج أبطاله أساسا بكينونة محددة، الأمر الذي يجعل فيها الحكم الأول والأخير لضمير الإنسان. وعموما فهذه الخصوصية بالذات موجودة بوضوح في أعماله "المهلة الأخيرة" و"عش وتذكر" والتي أكملها بروايته الانتقادية الحادة "الحريق" عام 1985 ونال بها جائزة الدولة للمرة الثانية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق